إن الحدث الأهم دستورياً بعد الانتخابات النيابية وانتخابات رئاسة المجلس وتشكيل اللجان النيابية، هو تكليف شخصية كفوءة لتأليف الحكومة.
من هنا تبدأ النزاهة
من الضروري إذن أن يسلط اللبنانيون الضوء على الشخصيات الوطنية التي تتولى هذه المهمة، عسى أن يستطيعوا إنصاف من يستحق الإنصاف من جهة، وأن يعرفوا من جهة ثانية أين يتم وضع زمام أمورهم؛ هل في أيدٍ أمينة أم أن الوضع عكس ذلك. ومن هذه الشخصيات يجدر بنا أن نتعرف على شخصية اختلفت حولها الآراء، فمنهم من أنصفها ومنهم من أساء فهمها وانساق خلف المتضررين من وجودها في سدة المسؤولية، ومن الصفات التي تتحلى بها. إنه الرئيس السابق للحكومة الدكتور حسان دياب.
حسان بهاء الدين دياب، من مواليد بيروت ١ حزيران ١٩٥٩ متزوج من نوار رضوان المولوي وله ثلاثة أولاد، بنت وولدان، هم رزان ورامي ورضوان. يحمل شهادة البكالوريوس مع مرتبة الشرف في هندسة الاتصالات، وماجستير بامتياز في هندسة نظم الحاسوب، والدكتوراه في هندسة الحاسوب منذ العام 1985. انضم إلى الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1985، وهو أستاذ مادة الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسبات في كلية الهندسة والعمارة. لديه أكثر من ١٥٠ منشوراً في مجلات علمية دولية ومؤتمرات. شغل منصب العميد المؤسس لكلية الهندسة، والرئيس المؤسس خلال فترة 2004-2006 في جامعة ظفار في صلالة، سلطنة عُمان. وفي تشرين الأول العام 2006 عُيّن في منصب نائب الرئيس للبرامج الخارجية الإقليمية في الجامعة الأميركية في بيروت .
لقد عَرِفَ لبنان البروفيسور حسان دياب كوزير تربية وتعليم عالي في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بين عام 2011 وعام 2014، وكان له يومها بصماتُهُ الناصِعَة في الوزارة، ولكن للأسف لم يُولِها الإعلام اللبناني الاهتمام اللازم، ربما لأن الوزير حسان دياب ليس زعيماً تقليدياً وليس عنده حزبٌ أو ميليشيا، وليس من الجهات التي تعبث بالوطن شرذمةً وتخريباً وفساداً. وهكذا يتصرف الإعلام اللبناني عادةً في الأمور المهمة.
فوجئ الرئيس دياب منذ وصوله إلى وزارة التربية والتعليم العالي بوجود العديد مِنَ الُموظفين في الوزارة، مِمَّن يقبَضون رواتبَ ولا وظيفةَ لهُم، بل محسوبون على الزعماء والمتنفذين في البلد، ولما بادر إلى عَزَلِهِم بدأت الاتصالات تتوالى عليه مما هَبَّ ودَبّ، من مختلف الرتب الزعماتية في البلد، لإعادة أتباعِهِم المعزولين، ولكن الرئيس(الوزير يومها) لم يكترث بأحدٍ منهم وتمسك بقراراته.
تضمنت إنجازاته غير المسبوقة كوزير ما يلي: وضع أول خطة استراتيجية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التربية، وضع قانون جديد للتعليم الإلزامي ليحل محل قانون عمره 40 عامًا. تقديم كتب مدرسية مجانية، إصدار مرسوم يتطلب خدمة مجتمعية إلزامية في المرحلة الثانوية، وإحراز تقدم كبير في التعليم المهني. بالإضافة إلى ذلك، بعد ما يقرب من عامين ونصف العام من الإصلاح في التعليم العالي خلال توليه وزارة التربية، أعطى تقرير المنتدى الاقتصادي، في نهاية عام ٢٠١٣، لبنان الترتيب التالي في العالم من أصل ١٤٤ دولة:
احتلت جودة كليات إدارة الأعمال المرتبة ١٣ ، حلّت في المرتبة العاشرة بجودة التعليم ، وفي المرتبة الرابعة من حيث جودة تدريس الرياضيات والعلوم بعد سنغافورة وفنلندا وبلجيكا.
أوقَفَ راتِبَهُ كوزير فور استقالة الحكومة في العام ٢٠١٣، ورفض أن يتقاضى شيئاً أثناء تصريف الأعمال. ورغم ذلك كان يتابع كُلَّ الأعمالِ المتوجبة عليه وفق القانون والدستور.
أما بعد تشكيل حكومة مواجهة التحديات في ال ٢٠٢٠، ومنذ وصوله إلى السراي الحكومي بدأ سلوكُ الرئيس دياب ينضحُ نزاهةً وعِفَّةً وحفاظاً على أموال خزينة الدولة والشعب، وبدأت سيرتُهُ ترسم لحكامنا وللبنانيين قاطبةً، معالِمَ الخريطة التي تُنقِذُهُم من الأزمة وتوصلهم إلى بر الأمان.
الدكتور حسان دياب، يكفيه شرفاً أن ألدَّ أعدائه كانوا وما زالوا، الفاسدون وأتباعُهُم وإعلامُهُم الموجّه وخُدَّامُهُم وسمَاسِرَتُهُم. وقد بدأت رحلتُهُ في مقارعةِ الفساد منذ لحظة وصولِهِ إلى السراي الحكومي. ولا بد لنا من ذِكرِ بعضٍ منها للتاريخ، ولكي نساعد الشعب اللبناني المغلوب على أمره، على التمييز بين الثرى والثُرَيَّا.
منذ اللحظات الأولى لتكليفه، عمل الرئيس دياب على عدم إضاعة الوقت في التأليف، إذ أنجزه خلال ٣٣ يوم، وفي صياغة البيان الوزاري ونيل الثقة خلال ٢١ يوم. وسَجَّل رقماً قياسياً في عدد ساعات العمل المتواصلة في السراي وفي عدد الجلسات التي عقدها خلال عملها بعد نيل الثقة (خلال١٨٠ يوم من عمر الحكومة)، إن كان في جلسات مجلس الوزراء التي كانت بمعدل جلستين أسبوعياً، أو في جلسات اللجان الفرعية لدراسة المشاريع وللتخطيط ولحلول المشاكل مثل الكهرباء والنفايات والإنماء وغيرها.
لقد أنجزت حكومته خطة اقتصادية هي الأولى في تاريخ لبنان، خلال مدة زمنية قياسية لا تتعدى الثلاثين يوماً. كانت خطة متينة وثاقبة، شهدت لها الجهات الدولية مثل المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة، والأهم من كل هذا، شهد لها الخبراء الاقتصاديون اللبنانيون غير المرتبيطين بأي جهة خارجية أو داخلية، وعندما حاولت بعض الجهات النيابية النيل من خطته، لم يستطيعوا، إذ جاءهم الرد من المنظمات الدولية أن لا حل للبنان إلا بالخطة التي وضعتها حكومة الرئيس دياب.
دولة الرئيس حسان دياب، قدم استقالته من الجامعة الأميركية بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، لكي لا يقبض من مصدرين، ولكي يتفرغ للخدمة العامة. وجعل إقامته في السراي، وحَوَّلَ استهلاك كهرباء الشقة التي سكنها إلى حسابه الخاص ورفض أن تُكَلَّفَ الخزينةُ شيئاَ منها.
ألغى عقداً باهظ التكلفة كان قد أبرمها أسلافه مع شركة باتشي للشوكولا، والذي كان يبلغ آلاف الدولارات شهرياً يتم صرفها على قاطني السرايا وزوارهم على حساب الدولة والشعب، وأبلغ الجميع أن من يريد تكريم زوارِه في السراي فليُكَرِّمهم على نفقته الخاصة، باستثناء الزوار الرسميين، فلهم وضعهم الخاص. كما فوجئ الرئيس دياب بكثافة طلبيات الأطعمة من المطاعم الفاخرة، كانت تصل يومياً إلى السرايا وتكلف الخزينة شهرياً مبالغ مرتفعة جداً؛ فألغاها واستبدلها بوجبات عادية للقوى الأمنية التي تخدم في السرايا. رفض ترميم السراي بعد أن تضررت من انفجار المرفأ، وقال أنه لن يُصلِحَ فيها شيئاً قبل إصلاحِ آخر بيتٍ من بُيوتِ الناسِ التي تَضَرَّرَت.
بعد استقالته قام بتصريف الاعمال لمدة غير مسبوقة في تاريخ لبنان(٣٩٦ يوماً) فكان يتابع كُلَّ الأعمال المتوجبة عليه وفق القانون والدستور، بل أكثر من ذلك، كان يعمل أكثر من المطلوب منه بكثير؛ والكل يعرف نشاطه ونشاط بعض الوزراء في حكومته مثل وزير الصحة الدكتور حمد حسن ووزير الصناعة الدكتور عماد حب الله ووزير الاتصالات الدكتور طلال حوّاط وغيرهم الذين كانوا يعملون بتفانٍ وإخلاص دون كللٍ أو ملل.
رؤية الرئيس دياب ليست أقل من تغيير العالم ولكنه يُدرك أن الخطوة الأولى هي تغيير النفس. هو يعتبر أن التعليم هو المحرك الرئيسي للتغيير والتقدم والابتكار في عالم اليوم المعقد. كما يكرر في العديد من خطاباته الرئيسية، "يتجاوز التعليم الحياة المهنية لتنمية القدرات العقلية للطلاب، بما في ذلك القدرة على التمييز بين الحقائق والآراء ، والإبداع والنقد ، وتقدير التنوع، والإيمان بالمساواة ، واحتضان الآخرين". فهو يعتبر أنه يجب على التعليم أن يربط اللغة والثقافة والقيم الأخلاقية لإعادة تشكيل هوية المُتعلّم، وتشجيع التفكير الحر والمواطنة المسؤولة، مما يسهل الوحدة الاجتماعية وتهيئة الأجيال الجديدة للظروف الاجتماعية والسياسية والتنمية الاقتصادية لبلدانهم.
بقلم علي خيرالله شريف
